كل شيء عن الطباعة

الطباعة وسيلة من أهم وسائل الاتصال الجماهيري التي تشمل كذلك البث الإذاعي والتلفازي، والسينما. والطباعة هي الأساس في العديد من أنظمتنا التعليمية. وتعتمد الأنظمة التجارية الحديثة على الطباعة في كثير من مداولاتها بدءًا من إيصالات البيع، إلى أوراق النقد، وشهادات الاستثمار. كما تعتمد الدعاية والإعلان جزئيًا على الطباعة لترويج السلع والخدمات.

تُعدُّ الطباعة والنشر في كثير من البلدان مجالين من مجالات النشاط التجاري الكبرى. فبالإضافة إلى الكتب والصحف والمجلات، تتدفق آلاف المطبوعات من المطابع الحديثة كل يوم، مشتملة على الملصقات وأوراق تغليف الحلوى، وعلب المشروبات، ومفكرات التقويم، وأوراق المعاملات المكتبية المسطّرة، وورق الحائط، والبطاقات البريدية، وكتيبات الرسوم الفكاهية، والأعمال الفنية.

بدأت الطباعة كما نعرفها اليوم، منذ حوالي 500 عام. قبل ذلك كان كل شيء مقروء ينسخ بخط اليد، أو يحفر ويطبع باليد من قوالب خشبية. ثم حدث أهم إنجاز في التاريخ عندما طوّر جوهانس جوتنبرج ومعاونوه في ألمانيا، حوالي عام 1440م الطباعة بالحروف المتحركة. وقد سبق للصينيين ابتكار هذا النوع من الحروف في القرن الثاني عشر الميلادي، ولكن كثرة حروف الهجاء في اللغة الصينية جعلت استعمالها للطباعة أمرًا غير عملي. وقد عمد جوتنبرج إلى صنع حروف معدنية منفصلة، وبهذه الطريقة استطاع الطبّاع أن يحصل في وقت قصير على عدد وفير من النسخ المطبوعة لكتاب، بعد أن أصبح استعمال هذه الحروف أمرًا سهلاً مرات ومرات لطباعة كتب عديدة ومتنوعة.

وسرعان ما صارت الطباعة وسيلة رئيسية من وسائل الاتصال العامة، إذ يسّرت أكبر قدر من المعارف لأكثر عدد من الناس في أقصر وقت وبأيسر السبل، وهذا ما لم يحدث من قبل. ومن ثم اتسع انتشار القراءة والكتابة بسرعة فائقة.

يتم الآن الكثير من أعمال الطباعة التجارية عن طريق واحدة من ثلاث وسائل طباعية:1- طباعة السطح البارز 2- طباعة السطح المستوي (أوفست) 3- طباعة السطح الغائر. ولكل واحدة من هذه الوسائل سماتها الخاصة، ففيما يتعلق بالسطح البارز، الذي يراد طبعه، فإنه يُجهز ويترك الفراغ حوله في مستوى منخفض. وفي طباعة السطح المستوي تجهّز الأشكال التي يُراد طبعها في مستوى الفراغ غير المطبوع نفسه. وفي الطباعة الغائرة يُجهّز الشكل الذي يراد طبعه في مستوى منخفض عن الفراغ المحيط ليكون قابلاً للطباعة.

تناقش هذه المقالة تجهيز الحروف والرسوم التوضيحية للطباعة، وتصف الوسائل الرئيسية للطباعة التجارية. كما تعرض كذلك وسائل عديدة أخرى للطباعة وتتتبع تاريخ تطورها.

توجد مقالات منفصلة في الموسوعة مثل تجليد الكتب والحفر الضوئي والطباعة الضوئية تعطي تفاصيل عن الخطوات المتبعة في الطباعة والنشر. كما تعطي مقالات أخرى مثل الحفر وحفر الكليشيه والطباعة بالشاشة الحريرية معلومات عن صناعة الطباعة في مجال الفنون الجميلة.

تحضير المادة الطباعية

عند تحضير المتن والرسوم التوضيحية للطباعة، هناك خطوات معروفة ومشتركة بين الوسائل الطباعية المختلفة، وتشمل: 1- تنضيد الحروف. 2- المراجعة والتصحيح (البروفات). 3- تجهيز الرسوم التوضيحية. 4- تبويب الصفحات.

تنضيد الحروف. هو صفّ الحروف المعدنية لتشكيل كلمات مطبوعة. ويعرف كذلك بالجمع كما يمكن أن يصنف إلى 1- التنضيد بالسبك الحراري 2- التصفيف (التجميع) الضوئي.

التنضيد بالسبك الحراري. يتم في عصرنا هذا بالآلات بعد أن كان يجهّز يدويًا إلى أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. ويُسمّى العمال الذين كانوا يقومون بعملية الجمع المُصَفِّفين، وكانوا يلتقطون قطع الأحرف المعدنية من فراغات بحواجز في أدراج عديدة، كل منها عبارة عن صندوق أحرف. وتتم عملية التنضيد بتصفيف الأحرف يدويًا في شكل كلمات وسطور داخل المصف، وهو محفظة معدنية مستطيلة، وكلما امتلأت يتم تفريغها في صينية حروف. وهذه الطريقة مازالت تمارس لطباعة أنواع خاصة من التصميمات الفريدة ذات الأحجام الكبيرة التي يصعب سبكها بالطرق الآلية الحديثة.

يوجد نوعان رئيسيان من آلات الصف الآلي، وهما: السطرية، والحروفية (المونوتيب). وتقوم آلات التصفيف السطري بسبك كل سطر من الحروف قطعة واحدة متصلة. فعند الضغط على مفاتيح الآلة يتم إنزال الحرف في شكل قالب يأخذ مكانه في السطر. ويتم بذلك تجهيز السبيكة الحروفية. انظر: اللينوتيب.

في الطريقة الحروفية تقوم الآلة بتجهيز الحروف قطعًا منفصلة. فعند الضغط على المفاتيح تقوم شفرة خاصة بتثقيب شريط ورقي. وعند تمرير الشريط من خلال آلة السبك تترجم الثقوب لكل حرف تم إدخاله. وفي الحال تتشكل القوالب، ويتم صب الحروف المطلوبة كوحدات منفصلة. انظر: المونوتيب.

التصفيف الضوئي. يُسمى كذلك التنضيد الضوئي، أو الصف الفيلمي، ويشتمل على كل أساليب التنضيد بغير الاعتماد على الحروف المعدنية. وتعتمد هذه الطريقة على خصائص التصوير الضوئي، فتقوم بنقل صور الحروف على سطح الأفلام والأوراق الفوتوغرافية الحساسة. ويتم صف غالبية الحروف بهذه الطريقة بدلاً من طرائق السبك الحراري لأغلب عمليات الطباعة.

وأغلب آلات التنضيد الضوئي بها خازن نماذج رئيسي لإمداد الطراز الحروفي المطلوب أثناء عملية الصف. وهو شريط من شريحة فيلمية سالبة، مصور بها كل أشكال الحروف لطراز من الطرز. وعند إسقاط شعاع ضوئي على الحرف المطلوب من خلال عدسة، يتأثر السطح الفيلمي أو الورقي الفوتوغرافي. وبعد إتمام عملية التظهير (التحميض) تنطبع الصورة الموجبة لأشكال الحروف المصفوفة. وتقوم العدسات التي في الجهاز بالتحكم في أحجام الحروف بنسب مختلفة. أما في التنضيد بالسبك الحراري، فيجب علينا الحصول على قالب أو حرف قائم بذاته إذا أردنا الحصول على أحجام مختلفة لطرز متنوعة.

تنتج بعض آلات التنضيد الضوئي حروفًا بالضغط على أزرار مفاتيح الطابعة، وبعضها ينتج شرائط برموز شفرة خاصة شبيهة بنمط المونوتيب. يتم إدخال هذه الشرائط في جهاز للجمع متصل بحاسوب فتتم عملية الجمع. وبالإضافة إلى ذلك يقوم الحاسوب بعملية ملء السطر، وهي التحكم في الفراغات بين الكلمات بالتقصير والتمديد بإضافة الشرطات لتسوية نهايات السطور على الهوامش.

وهناك نوع آخر من آلات التنضيد لايعتمد على خازن نماذج رئيسي، لكنه يخزن معلومات عن تصاميم الأحرف في ذاكرة حاسوبية. وعند استدعاء طراز خاص من الحروف، يتم بثه على شاشة من أنابيب للأشعة الكاثودية، كشاشة التلفاز. ثم تسلط الصور على سطح فوتوغرافي حساس بتركيزه من خلال عدسة. وبعد التظهير الفوتوغرافي يتم الحصول على النسخ الموجبة. ويستطيع هذا النوع من آلات التصفيف الضوئي تجهيز صفحة كاملة من جريدة يومية في ثوان قليلة. انظر: التصفيف الضوئي.

يستعين بعض كتاب الصحف والمجلات في كتابة مقالاتهم بجهاز به طابعة وشاشة عرض شبيهة بشاشة التلفاز، تسمى شاشة العرض الطرفية. هذا الجهاز موصل بحاسوب لتخزين المادة حين كتابتها. وبعد ذلك يقوم المحررون باستقبال المادة المكتوبة، ومراجعتها وإدخال التعديلات اللازمة عليها. ثم تدخل المادة في صورتها النهائية ـ بعملية إلكترونية  إلى جهاز التصفيف الضوئي فيتم صف الحروف والتجهيز الطباعي. وفي ذلك توفير للوقت والمال، إذ لايتعين على أحد تكرار عملية الطباعة على آلة جمع الحروف. وتحتوي بعض أجهزة التنضيد الأخرى على وحدات فرز الطرز الحروفية. وتستطيع هذه الوحدات التعرف ـ بطريقة إلكترونية ـ على الحروف حين طباعتها، ومن ثم إدخالها جهاز الجمع.

المراجعة والتصحيح (البروفات). يقوم الطبّاع بطبع نسخة تصحيح، لغرض إصلاح الأخطاء. ويتم وضع المواد المصفوفة على سطح آلة صغيرة للطباعة، وتحبر. يوضع الورق، وتدحرج أسطوانة ضاغطة، ثم تُسْحَب الورقة المطبوعة. أما في حالة التصفيف الضوئي، فيتم طبع نسخة فوتوغرافية موجبة للتصحيح.

ويقوم المصحح بإجراء التصحيح في كل نسخ المراجعة، ثم يقوم بإرجاع الصفحات إلى مصففي الحروف لإصلاح الأخطاء.

التنضيد الإلكتروني يتم بوساطة الحواسيب الشخصية بنوعيها: حواسيب النشر المكتبي والحواسيب المحمولة. وقد صممت الحواسيب الشخصية للقيام بالأعمال العامة. وتتيح برامج هذه الحواسيب لمستخدميها القيام بأعمال معالجة الكلمات وتصميم الصفحات وخيارات الطباعة المتعددة. وتستطيع الحواسيب الشخصية، أيضاً، إنتاج صفحات تتضمن النصوص والصور إلكترونياً. وتمكن بعض البرامج الحاسوبية من تكبير الحروف وزيادة كثافتها وتغييرها بطرق عديدة. وتظهر على شاشة الحاسوب نماذج للخطوط يمكن تغييرها بدفعة على المفتاح أو نقرة على نبيطة تسمى الفأرة (الماوس).

وبعد تصميم الصفحة وتنضيد حروفها يتحول ملفها الإلكتروني للطابعة لإجراء البروفة (التجربة) الطباعية السريعة. وتوصل معظم الحواسيب الشخصية بطابعات ليزر تستخدم الليزر لتكوين الصور والنصوص على الورق. ويمكن تخزين الملف الإلكتروني على قرص حاسوبي، أو إرساله خلال الهاتف بوساطة جهاز يعرف باسم المودم إلى صفاف صور ضوئية (طابعة فائقة التقنية). ويسمى استخدام الحواسيب الشخصية لتنضيد وطباعة مواد مثل الأخبار والتقارير وغيرها النشر المكتبي. انظر: النشر المكتبي.